زينب رد على الشبهات
تفسير ابن كثير
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية - وأمها أميمة بنت عبد المطلب - وأصدقها عشرة دنانير ، وستين درهما ، وخمارا ، وملحفة ، ودرعا ، وخمسين مدا من طعام ، وعشرة أمداد من تمر قاله مقاتل بن حيان ، فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها ، ثم وقع بينهما ، فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله يقول له : " أمسك عليك زوجك ، واتق الله " قال الله تعالى : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه )
----------------------
ذكر ابن جرير ، وابن أبي حاتم هاهنا آثارا عن بعض السلف ، رضي الله عنهم ، أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها
----------------------------
وقد روى الإمام أحمد هاهنا أيضا حديثا ، من رواية حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس فيه غرابة تركنا سياقه أيضا
وقد روى البخاري أيضا بعضه مختصرا فقال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا معلى بن منصور ، عن حماد بن زيد ، حدثنا ثابت ، عن أنس بن مالك قال : إن هذه الآية : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) نزلت في شأن زينب بنت جحش ، وزيد بن حارثة ، رضي الله عنهما
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق ، حدثنا ابن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني علي بن الحسين ما يقول الحسن في قوله : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) [ وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ] ) ؟ فذكرت له فقال : لا ولكن الله أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها ، فلما أتاه زيد ليشكوها إليه قال : اتق الله ، وأمسك عليك زوجك فقال : قد أخبرتك أني مزوجكها ، وتخفي في نفسك ما الله مبديه
وهكذا روي عن السدي أنه قال نحو ذلك
وقال ابن جرير : حدثني إسحاق بن شاهين ، حدثني خالد ، عن داود عن عامر ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : لو كتم محمد صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله ، لكتم : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه )
وقوله : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) : الوطر : هو الحاجة والأرب ، أي : لما فرغ منها ، وفارقها زوجناكها ، وكان الذي ولي تزويجها منه هو الله ، عز وجل ، بمعنى : أنه أوحى إليه أن يدخل عليها بلا ولي ولا مهر ولا عقد ولا شهود من البشر
وفي تفسير القرطبي
وقيل والله أحق أن تستحي منه ، ولا تأمر زيدا بإمساك زوجته بعد أن أعلمك الله أنها ستكون زوجتك ، فعاتبه الله على جميع هذا
. وروي عن علي بن الحسين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا يطلق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها ، فلما تشكى زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية : اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها ، وهذا هو الذي أخفى في نفسه ، ولم يرد أن يأمره بالطلاق لما علم أنه سيتزوجها ، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد ، وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له ، بأن قال : أمسك مع علمه بأنه يطلق . وأعلمه أن الله أحق بالخشية ، أي في كل حال .
-----------++++++++--
قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية ، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين ، كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري ، والقاضي أبي بكر ابن العربي وغيرهم .
-------------++------+
والمراد بقوله تعالى : وتخشى الناس إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه . فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد - وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق - فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته . قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول ، وأسند إلى علي بن الحسين قوله : فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرا من الجواهر ، ودرا من الدرر ، أنه إنما عتب الله عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك ، فكيف قال بعد ذلك لزيد : أمسك عليك زوجك وأخذتك خشية الناس أن يقولوا : تزوج امرأة ابنه ، والله أحق أن تخشاه . وقال النحاس : قال بعض العلماء : ليس هذا من النبي صلى الله عليه وسلم خطيئة ، ألا ترى أنه لم يؤمر بالتوبة ولا بالاستغفار منه . وقد يكون الشيء ليس بخطيئة إلا أن غيره أحسن منه ، وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتتن الناس .
الثانية : قال ابن العربي : فإن قيل لأي معنى قال له : أمسك عليك زوجك وقد أخبره الله أنها زوجه . قلنا : أراد أن يختبر منه ما لم يعلمه الله من رغبته فيها أو رغبته عنها ، فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهة فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها . فإن قيل : كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه ؟ وهذا تناقض . قلنا : بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة ، لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة ، ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان وقد علم أنه لا يؤمن ، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما . وهذا من نفيس العلم فتيقنوه وتقبلوه
وفي تفسير البيضاوي6/354
وروى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال : سألني علي بن الحسين زين العابدين ما يقول الحسن في قوله : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) ؟ قلت : يقول لما جاء زيد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله إني أريد أن أطلق زينب فأعجبه ذلك ، فقال : أمسك عليك زوجك واتق الله ، فقال علي بن الحسين : ليس كذلك ، كان الله تعالى قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها ، فلما جاء زيد وقال : إني أريد أن أطلقها قال له : أمسك عليك زوجك ، فعاتبه الله وقال : لم قلت : أمسك عليك زوجك ، وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك ؟ [ ص: 356 ] وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله علم أنه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال : " زوجناكها " فلو كان الذي أضمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه فلا يظهره ، فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجة له ، وإنما أخفاه استحياء أن يقول لزيد : التي تحتك وفي نكاحك ستكون امرأتي ، وهذا قول حسن مرض ، وإن كان القول الآخر وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها لا يقدح في حال الأنبياء ، لأن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه في مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه المآثم ، لأن الود وميل النفس من طبع البشر
....................
وفي تفسير الطبري
.وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأعجبته،
..........................
وفي تفسير احكام القرءان لابن عربي
وهذه الروايات كلها ساقطة الأسانيد؛ إنما الصحيح منها ما روي عن عائشة أنها قالت: لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتما من الوحي شيئا لكتم هذه الآية: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه} [الأحزاب: 37] يعني بالإسلام، {وأنعمت عليه} [الأحزاب: 37] يعني بالعتق، فأعتقته: {أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37] إلى قوله: {وكان أمر الله مفعولا} [الأحزاب: 37] وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما تزوجها قالوا: تزوج حليلة ابنه، فأنزل الله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40].
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبناه وهو صغير، فلبث حتى صار رجلا، يقال له زيد بن محمد، فأنزل الله تعالى: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} [الأحزاب: 5
وقد قال الله له: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه} [طه: 131]. والنساء أفتن الزهرات وأنشر الرياحين، فيخالف هذا في المطلقات، فكيف في المنكوحات المحبوسات، وإنما كان الحديث أنها لما استقرت عند زيد جاءه جبريل: إن زينب زوجك، ولم يكن بأسرع أن جاءه زيد يتبرأ منها، فقال له: اتق الله، وأمسك عليك زوجك، فأبى زيد إلا الفراق، وطلقها وانقضت عدتها، وخطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يدي مولاه زوجها، وأنزل الله القرآن المذكور فيه خبرهما، هذه الآيات التي تلوناها وفسرناها، فقال: واذكر يا محمد إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أمسك عليك زوجك، واتق الله في فراقها، وتخفي في نفسك ما الله مبديه يعني من نكاحك لها، وهو الذي أبداه لا سواه.
وقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى إذ أوحى إليه أنها زوجته لا بد من وجود هذا الخبر وظهوره؛ لأن الذي يخبر الله عنه أنه كائن لا بد أن يكون لوجوب صدقه في خبره، هذا يدلك على براءته من كل ما ذكره متسور من المفسرين، مقصور على علوم الدين.
فإن قيل: فلأي معنى قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أمسك عليك زوجك، وقد أخبره الله أنها زوجته لا زوج زيد؟ قلنا: هذا لا يلزم؛ ولكن لطيب نفوسكم نفسر ما خطر من الإشكال فيه: إنه أراد أن يختبر منه ما لم يعلمه الله به من رغبته فيها أو رغبته عنها، فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهية فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها.
فإن قيل: فكيف يأمره بالتمسك بها، وقد علم أن الفراق لا بد منه، وهذا تناقض؟ قلنا: بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة، ومعرفة العاقبة؛ ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان، وقد علم أنه لا يؤمن، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما، وهذا من نفيس العلم؛ فتيقنوه وتقبلوه.
No comments:
Post a Comment