#المولد
*قال الحطاب في مواهب الجليل ما نصه: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: صِيَامُ الْمَوْلِدِ كَرِهَهُ بَعْضُ مَنْ قَرُبَ عَصْرِهِ مِمَّنْ صَحَّ عِلْمُهُ وَوَرَعُهُ، قَالَ: إِنَّهُ مِنْ أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَامَ فِيهِ وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَوْرِيُّ يَذْكُرُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَيَسْتَحْسِنُهُ، انْتَهَى.*
(قُلْتُ) : لَعَلَّهُ يَعْنِي ابْنَ عَبَّادٍ، فَقَدْ قَالَ فِي رَسَائِلِهِ الْكُبْرَى مَا نَصُّهُ:
*وَأَمَّا الْمَوْلِدُ فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ وَمَوْسِمٌ مِنْ مَوَاسِمِهِمْ، وَكُلُّ مَا يُفْعَلُ فِيهِ مَا يَقْتَضِيهِ وُجُودُ الْفَرْحِ وَالسُّرُورِ بِذَلِكَ الْمَوْلِدِ الْمُبَارَكِ مِنْ إِيقَادِ الشَّمْعِ، وَإِمْتَاعِ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ، وَالتَّزَيُّنِ بِلُبْسٍ فَاخِرِ الثِّيَابِ، وَرُكُوبٍ فَارِهِ الدَّوَابِّ، أَمْرٌ مُبَاحٌ لَا يُنْكَرُ عَلَى أَحَدٍ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَوْقَاتِ الْفَرَحِ، وَالْحُكْمُ بِكَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِدْعَةً فِي هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ سِرُّ الْوُجُودِ، وَارْتَفَعَ فِيهِ عَلَمُ الشُّهُودِ، وَانْقَشَعَ فِيهِ ظَلَامُ الْكُفْرِ وَالْجُحُودِ، وَادِّعَاءُ أَنَّ هَذَا الزَّمَانَ لَيْسَ مِنَ الْمَوَاسِمِ الْمَشْرُوعَةِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَمُقَارَنَةُ ذَلِكَ بِالنَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ أَمْرٌ مُسْتَثْقَلٌ تَشْمَئِزُّ مِنْهُ الْقُلُوبُ السَّلِيمَةُ، وَتَدْفَعُهُ الْآرَاءُ الْمُسْتَقِيمَةُ،*
*وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَا خَلَا مِنَ الزَّمَانِ خَرَجْتُ فِي يَوْمِ مَوْلِدٍ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَاتَّفَقَ أَنْ وَجَدْتُ هُنَاكَ سَيِّدِي الْحَاجَّ ابْنَ عَاشِرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَخْرُجُ بَعْضُهُمْ طَعَامًا مُخْتَلِفًا لِيَأْكُلُوهُ هُنَالِكَ، فَلَمَّا قَدَّمُوهُ لِذَلِكَ، أَرَادُوا مِنِّي مُشَارَكَتَهُمْ فِي الْأَكْلِ، وَكُنْتُ إِذْ ذَاكَ صَائِمًا، فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّنِي صَائِمٌ، فَنَظَرَ إِلَيَّ سَيِّدِي الْحَاجُّ نَظْرَةً مُنْكَرَةً، وَقَالَ لِي مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ، يُسْتَقْبَحُ فِي مِثْلِهِ الصِّيَامُ بِمَنْزِلَةِ يَوْمِ الْعِيدِ، فَتَأَمَّلْتُ كَلَامَهُ فَوَجَدْتُهُ حَقًّا، وَكَأَنَّنِي كُنْتُ نَائِمًا فَأَيْقَظَنِي،* انْتَهَى.