وفي تفسير القرطبي
لأولى : قوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا ، قالت فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ! أكلت مغافير ؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك . فقال : " بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له " . فنزل : لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله إن تتوبا : ( لعائشة وحفصة ) ، وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله : " بل شربت عسلا " .........
ففي هذه الرواية أن التي شرب عندها العسل حفصة . وفي الأولى زينب . وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه شربه عند سودة . وقد قيل : إنما هي أم سلمة ، رواه أسباط عن السدي . وقاله عطاء بن أبي مسلم . ابن العربي : وهذا كله جهل أو تصور بغير علم . فقال باقي نسائه حسدا وغيرة لمن شرب ذلك عندها : إنا لنجد منك ريح المغافير .
فهذا قول . وقول آخر : أنه أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها لأجل أزواجه ، قاله ابن عباس وعكرمة . والمرأة أم شريك . وقول ثالث : إن التي حرم مارية القبطية ، وكان قد أهداها له المقوقس ملك الإسكندرية
أصح هذه الأقوال أولها . وأضعفها أوسطها . قال ابن العربي : أما ضعفه في السند فلعدم عدالة رواته ، وأما ضعفه في معناه فلأن رد النبي صلى الله عليه وسلم للموهوبة ليس تحريما لها ، لأن من رد ما وهب له لم يحرم عليه ، إنما حقيقة التحريم بعد التحليل . وأما من روى أنه حرم مارية القبطية فهو أمثل في السند وأقرب إلى المعنى ، لكنه لم يدون في الصحيح . وروي مرسلا .
وإنما الصحيح أنه كان في العسل وأنه شربه عند زينب ، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه ، فجرى ما جرى فحلف ألا يشربه وأسر ذلك . ونزلت الآية في الجميع
تفسير القرطبي560
وفي صحيح مسلم
1474 وحدثني محمد بن حاتم حدثنا حجاج بن محمد أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يخبر أنه سمع عائشة تخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا قالت فتواطيت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير فدخل على إحداهما فقالت ذلك له فقال بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له فنزل لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله إن تتوبا لعائشة وحفصة وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا
وفي شرح مسلم
قولها ( : فقال : بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود فنزل : لم تحرم ما أحل الله لك ) هذا ظاهر في أن الآية نزلت في سبب ترك العسل ، وفي كتب الفقه أنها نزلت في تحريم مارية ، قال القاضي : اختلف في سبب نزولها فقالت عائشة : في قصة العسل ، وعن زيد بن أسلم أنها نزلت في تحريم مارية جاريته وحلفه أن لا يطأها
. قال : ولا حجة فيه لمن أوجب بالتحريم كفارة محتجا بقوله تعالى : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : والله لا أطأها ثم قال : هي علي حرام ، وروي مثل ذلك من حلفه على شربه العسل وتحريمه ، ذكره ابن المنذر وفي رواية البخاري : لن أعود له وقد حلفت أن ألا تخبري بذلك أحدا . وقال الطحاوي قال النبي صلى الله عليه وسلم في شرب العسل : لن أعود إليه أبدا ولم يذكر يمينا ، لكن قوله تعالى : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم يوجب أن يكون قد كان هناك يمين ، قلت : ويحتمل أن يكون معنى الآية قد فرض الله عليكم في التحريم كفارة يمين ، وهكذا يقدره الشافعي وأصحابه وموافقوهم .
قولها : ( فقال : بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ) وفي الرواية التي بعدها : ( أن شرب العسل كان عند حفصة ) قال القاضي : ذكر مسلم في حديث حجاج عن ابن جريج أن التي شرب عندها العسل زينب ، وأن المتظاهرتين عليه عائشة وحفصة ، وكذلك ثبت في حديث عمر بن الخطاب وابن عباس أن المتظاهرتين عائشة وحفصة ، وذكر مسلم أيضا من رواية أبي أسامة عن هشام أن حفصة هي التي شرب العسل عندها ، وأن عائشة وسودة وصفية من اللواتي تظاهرن عليه . قال : والأول أصح . قال النسائي : إسناد حديث حجاج صحيح جيد غاية . وقال الأصيلي : حديث حجاج أصح وهو أولى بظاهر كتاب الله تعالى وأكمل فائدة - يريد قوله تعالى : وإن تظاهرا عليه - فهما اثنتان لا ثلاث ، وأنهما عائشة وحفصة كما قال فيه ، وكما اعترف به عمر رضي الله عنه . وقد انقلبت الأسماء على الراوي في الرواية الأخرى . كما أن الصحيح في سبب نزول الآية أنها في قصة العسل لا في قصة مارية المروية في غير [ ص: 62 ] الصحيحين ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح . قال النسائي : إسناد حديث عائشة في العسل جيد صحيح غاية . هذا آخر كلام القاضي .
ثم قال القاضي بعد هذا : الصواب أن شرب العسل كان عند زينب .
قوله تعالى : وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لقوله : بل شربت عسلا ، هكذا ذكره مسلم . قال القاضي : فيه اختصار ، وتمامه : ولن أعود إليه وقد حلفت أن لا تخبري بذلك أحدا كما رواه البخاري . وهذا أحد الأقوال في معنى السر . وقيل : بل ذلك في قصة مارية وقيل غير ذلك .
شرح مسلم للنووي
No comments:
Post a Comment