ഖന്തഖ്
യുദ്ധത്തിൻറെ കാരണമെന്ത്?
اسباب خندق
565/2وفي تاريخ الكبير للطبري
فهرس الكتاب الجزء الثاني القول في السيرة النبوية السنه الخامسه من الهجره ذكر الخبر عن غزوه الخندق
ذكر الخبر عن غزوة الخندق
وفيها: كانت غزوه رسول الله ص الخندق في شوال، حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق
وكان الذى جر غزوه رسول الله ص الخندق- فيما قيل- ما كان من إجلاء رسول الله ص بني النضير عن ديارهم.
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، مولى آل الزبير، عن عروة بن الزبير ومن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وعن الزهري، وعن عاصم بن عمر بن قتادة، وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعن محمد بن كعب القرظي وعن غيرهم من علمائنا، كل قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق، وبعضهم يحدث ما لا يحدث بعض، أنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، هم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله ص، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، فدعوهم الى حرب رسول الله ص، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا:
بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه قال: فهم الذين أنزل الله عز وجل فيهم: «ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا» - إلى قوله- «وكفى بجهنم سعيرا» .
فلما قالوا ذلك لقريش، سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ص، فأجمعوا لذلك واتعدوا له
.......
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان أهل الخندق ثلاثة آلاف قال: ولما فرغ رسول الله ص من الخندق، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الاسيال من رومه بين الجرف والغابة، في عشرة آلاف من أحابيشهم، ومن تابعهم من كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نقمى إلى جانب أحد
وخرج رسول الله ص عليه والمسلمون، حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع، في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام وخرج عدو الله حيي بن أخطب
ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم الى حرب رسول الله ص، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشا تابعوهم على ذلك وأجمعوا فيه، فأجابوهم.
فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مره، ومسعود بن رخيله بن نويره ابن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان، فيمن تابعه من قومه من اشجع.
فلما سمع بهم رسول الله ص وبما أجمعوا له من الأمر، ضرب الخندق على المدينة فحدثت عن محمد بن عمر، قال: كان الذي أشار على رسول الله ص بالخندق سلمان، وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله ص، وهو يومئذ حر، وقال:
يا رسول الله، إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا
وخرج رسول الله ص عليه والمسلمون، حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع، في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام
وخرج عدو الله حيي بن أخطب
حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بنى قريظة وعهدهم، كان قد وادع رسول الله ص على قومه، وعاهده على ذلك وعاقده، فلما سمع كعب بحيي بن أخطب، أغلق دونه حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له، فناداه حيي: يا كعب، افتح لي، قال: ويحك يا حيي! إنك امرؤ مشئوم، إني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا قال: ويحك! افتح لي أكلمك، قال: ما أنا بفاعل، قال: والله إن أغلقت دوني إلا على جشيشتك أن آكل معك منها، فأحفظ الرجل، ففتح له، فقال: ويحك يا كعب! جئتك بعز الدهر وببحر طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بمجتمع الاسيال من رومه، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني ألا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب بن أسد: جئتني والله بذل الدهر! بجهام قد هراق ماءه يرعد ويبرق، ليس فيه شيء! ويحك فدعني ومحمدا وما أنا عليه، فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء! فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب، حتى سمح له، على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب بن أسد عهده، وبريء مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله ص.
فلما انتهى الى رسول الله ص الخبر والى المسلمين، بعث رسول الله ص سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس أحد بني عبد الأشهل- وهو يومئذ سيد الأوس- وسعد بن عبادة بن دليم، أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج- وهو يومئذ سيد الخزرج- ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بلحارث بن الخزرج، وخوات بن جبير، أخو بني عمرو بن عوف، فقال: انطلقوا حتى تنظروا: أحق ما بلغنا عن
هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا نعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس.
فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، ونالوا من رسول الله ص، وقالوا: لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد.
فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه، وكان رجلا فيه حد، فقال له سعد ابن معاذ: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة.
ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما الى رسول الله ص فسلموا عليه، ثم قالوا: عضل والقارة أي كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرجيع، خبيب بن عدى واصحابه [فقال رسول الله ص: الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين،] وعظم عند ذلك البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب ابن قشير، أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط! وحتى قال أوس بن قيظي، أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله، إن بيوتنا لعورة من العدو- وذلك عن ملإ من رجال قومه- فأذن لنا فلنرجع إلى دارنا، فإنها خارجة من المدينة.
فأقام رسول الله ص، وأقام المشركون عليه بضعا وعشرين ليلة، قريبا من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار.
فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله ص- كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة وعن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري- إلى
عيينة بن حصن، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري- وهما قائدا غطفان- فأعطاهما ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله ص وأصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح، حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك، ففعلا، فلما أراد رسول الله ص أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه فقالا:
يا رسول الله، أمر تحبه فنصنعه، أم شيء أمرك الله عز وجل به، لا بد لنا من عمل به، أم شيء تصنعه لنا؟ قال: لا، بل لكم، والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم لأمر ما ساعة فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله عز وجل وعبادة الأوثان، ولا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك، نعطيهم أموالنا! ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله ص: فأنت وذاك! فتناول سعد الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا.
فأقام رسول الله ص والمسلمون وعدوهم محاصروهم، لم يكن بينهم قتال إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس، أخو بني عامر بن لؤي، وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان، ونوفل بن عبد الله، وضرار بن الخطاب بن مرداس، أخو بني محارب بن فهر، قد تلبسوا للقتال، وخرجوا على خيلهم، ومروا على بني كنانة، فقالوا: تهيئوا يا بني كنانة للحرب، فستعلمون اليوم
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، قال: كانت صفيه بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت قالت:
وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان قالت صفية: فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله ص، ليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله ص والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم إن أتانا آت قالت: فقلت: يا حسان، إن هذا اليهودي كما ترى، يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه ان يدل على عوراتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله ص وأصحابه، فانزل إليه فاقتله فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب! والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا! قالت: فلما قال ذلك لي، ولم أر عنده شيئا احتجزت، ثم أخذت عمودا، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت:
يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل، قال:
ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب قال ابن إسحاق: وأقام رسول الله ص واصحابه،
فيما وصف الله عز وجل من الخوف والشدة، لتظاهر عدوهم عليهم، وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم.
ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال ابن خلافه بن أشجع بن ريث بن غطفان أتى رسول الله ص، فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت فقال له رسول الله ص: إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة.
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة- وكان لهم نديما في الجاهلية- فقال لهم: يا بني قريظة، قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت، لست عندنا بمتهم، فقال لهم: إن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد، وقد ظاهرتموهم عليه، وإن قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم، البلد بلدكم، به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم وبلدهم بغيره، فليسوا كهيئتكم، إن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم، ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا، حتى تناجزوه، فقالوا: لقد أشرت برأي ونصح ثم خرج حتى أتى قريشا، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: يا معشر قريش، قد عرفتم ودي إياكم، وفراقي محمدا، وقد بلغني أمر رأيت حقا علي أن أبلغكموه نصحا لكم، فاكتموا علي قالوا: نفعل، قال: فاعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك عنا أن نأخذ من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم، فنعطيكهم، فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم؟ فأرسل إليهم أن نعم، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم، فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا ثم خرج حتى أتى غطفان، فقال:
يا معشر غطفان، أنتم أصلي وعشيرتي، وأحب الناس الى، ولا أراكم تتهموننى! قالوا: صدقت، قال: فاكتموا علي، قالوا: نفعل، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش، وحذرهم ما حذرهم، فلما كانت ليلة السبت في شوال سنة خمس، وكان مما صنع الله عز وجل لرسوله أن أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل، في نفر من قريش وغطفان، فقالوا لهم:
إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم أن اليوم السبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا، حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى أن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال، أن تشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا، ولا طاقة لنا بذلك من محمد فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: تعلمون والله أن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا، فإن وجدوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك تشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا، فأبوا عليهم، وخذل الله بينهم، وبعث الله عز وجل عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح أبنيتهم فلما انتهى إلى رسول الله ص ما اختلف من أمرهم، وما فرق الله من جماعتهم، دعا حذيفة بن اليمان، فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال فتى
<<
وفي فتح الباري
قوله : ( وكان أبو رافع يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعين عليه ) ذكر ابن عائذ من طريق الأسود عن عروة أنه كان ممن أعان غطفان وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فتح الباري حديث4039
وفي سيرة ابن هشام
تحريض اليهود لقريش وما نزل فيهم
جزء/صفحة:
2
215
[ تحريض اليهود لقريش وما نزل فيهم ]
فحدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير بن عروة بن الزبير ، ومن لا أتهم ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، ومحمد بن كعب القرظي ، والزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبي بكر ، وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق ، وبعضهم يحدث ما لا يحدث به بعض ، قالوا : إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود ، منهم : سلام بن أبي الحقيق النضري ، (هذا أبو رافع )
وحيي بن أخطب النضري ، وكنانة بن أبي الحقيق النضري ، وهوذة بن قيس الوائلي ، وأبو عمار الوائلي ، في نفر من بني النضير ، ونفر من بني وائل ، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرجوا حتى قدموا على قريش مكة ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إنا سنكون معكم عليه ، حتى نستأصله ، فقالت لهم قريش : يا معشر يهود ، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ، أفديننا خير أم دينه ؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق [ ص: 215 ] ( منه ) .
فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا إلى قوله تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله أي النبوة فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا
[ تحريض اليهود لغطفان ]
قال : فلما قالوا ذلك لقريش ، سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه ، من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له . ثم خرج أولئك النفر من يهود ، حتى جاءوا غطفان ، من قيس عيلان ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه ، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك ، فاجتمعوا معهم فيه .
خروج الأحزاب من المشركين ]
قال ابن إسحاق : فخرجت قريش ، وقائدها أبو سفيان بن حرب ؛ وخرجت غطفان ، وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، في بني فزارة ؛ والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري ، في بني مرة ؛ ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان ، فيمن تابعه من قومه من أشجع .
حفر الخندق وتخاذل المنافقين وجد المؤمنين ]
فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 216 ] ، وما أجمعوا له من الأمر ، ضرب الخندق على المدينة ، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبا للمسلمين في الأجر ، وعمل معه المسلمون فيه ، فدأب فيه ودأبوا .
قال ابن إسحاق : ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة ، بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف [ ص: 220 ] من أحابيشهم ، ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد ، حتى نزلوا بذنب نقمى ، إلى جانب أحد .
[ حمل حيي كعبا على نقض عهده للرسول ]
( قال ) : وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري ، حتى أتى كعب بن أسد القرظي ، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه ، وعاقده على ذلك وعاهده ؛ فلما سمع كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه ، فاستأذن عليه ، فأبى أن يفتح له ، فناداه حيي : ويحك يا كعب افتح لي ؛ قال : ويحك يا حيي : إنك امرؤ مشئوم ، وإني قد عاهدت محمدا ، فلست بناقض ما بيني وبينه ، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ؛ قال ويحك افتح لي أكلمك ؛ قال : ما أنا بفاعل ، قال : والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك [ ص: 221 ] أن آكل معك منها ؛ فاحفظ الرجل ، ففتح له ، فقال : ويحك يا كعب ، جئتك بعز الدهر وببحر طام ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها ، حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة ، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد ، قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه .
قال : فقال له كعب : جئتني والله بذل الدهر ، وبجهام ، قد هراق ماءه ، فهو يرعد ويبرق ، ليس فيه شيء ، ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه ، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء .
فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب ، حتى سمح له ، على أن أعطاه عهدا ( من الله ) وميثاقا : لئن رجعت قريش وغطفان ، ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك .
فنقض كعب بن أسد عهده ، وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تحري الرسول عن نقض كعب للعهد ]
فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وإلى المسلمين ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان ، وهو يومئذ سيد الأوس ، وسعد بن عبادة بن دليم ، أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة ، أخو بني الحارث بن الخزرج ، وخوات بن جبير ، أخو بني عمرو بن عوف . فقال [ ص: 222 ] : انطلقوا حتى تنظروا ، أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس قال : فخرجوا حتى أتوهم ، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ، ( فيما ) نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : من رسول الله ؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد . فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه ، وكان رجلا فيه حدة ، فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم ، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة . ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلموا عليه ، ثم قالوا : عضل والقارة ؛ أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع ، خبيب وأصحابه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، أبشروا يا معشر المسلمين
هم الرسول بعقد الصلح بينه وبين غطفان ثم عدل ]
فلما اشتد على الناس البلاء ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم ، عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه ، فجرى بينه وبينهما الصلح ، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح ، إلا المراوضة في ذلك . فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، فذكر ذلك لهما ، واستشارهما فيه ، فقالا له : يا رسول الله ، أمرا نحبه فنصنعه ، أم شيئا أمرك الله به ، لا بد لنا من العمل به ، أم شيئا تصنعه لنا ؟ قال : بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما ، فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعا ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه ، نعطيهم أموالنا ( والله ) ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنت وذاك . فتناول سعد بن معاذ الصحيفة ، فمحا ما فيها من الكتاب ، ثم قال : ليجهدوا علينا
[ صفية وحسان وما ذكرته عن جبنه ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال : كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع ، حصن حسان بن ثابت ؛ قالت : وكان حسان بن ثابت معنا فيه ، مع النساء والصبيان . قالت صفية ؛ فمر بنا رجل من يهود ، فجعل يطيف بالحصن ، وقد حاربت بنو قريظة ، وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم ، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت . قالت : فقلت : يا حسان ، إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن ، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فانزل إليه فاقتله ، قال : يغفر الله لك يا بنة عبد المطلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا : قالت : فلما قال لي ذلك ، ولم أر عنده شيئا ، احتجزت ثم أخذت عمودا ، ثم نزلت من الحصن إليه ، فضربته بالعمود حتى قتلته . قالت : فلما فرغت منه ، رجعت إلى الحصن ، فقلت : ياحسان ، انزل إليه فاسلبه ، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل ؛ قال : ما لي بسلبه من حاجة يا بنة عبد المطلب .
[ شأن نعيم في تخذيل المشركين عن المسلمين ]
قال ابن إسحاق [ ص: 229 ] : وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فيما وصف الله من الخوف والشدة ، لتظاهر عدوهم عليهم ، وإتيانهم إياهم من فوقهم ومن أسفل منهم .
( قال ) : ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفد بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني قد أسلمت ، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة ، وكان لهم نديما في الجاهلية ، فقال : يا بني قريظة ، قد عرفتم ودي إياكم ، وخاصة ما بيني وبينكم ؛ قالوا : صدقت ، لست عندنا بمتهم ؛ فقال لهم : إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم ، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره ، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ، وقد ظاهرتموهم عليه ، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره ، فليسوا كأنتم ، فإن رأوا نهزة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم [ ص: 230 ] وبين الرجل ببلدكم ، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم ، يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه ، فقالوا له : لقد أشرت بالرأي . ثم خرج حتى أتى قريشا ، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا ، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه ، نصحا لكم ، فاكتموا عني ؛ فقالوا : نفعل ؛ قال : تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد ، وقد أرسلوا إليه : إنا قد ندمنا على ما فعلنا ، ، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين ، من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم ، فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم : أن نعم . فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا .
ثم خرج حتى أتى غطفان ، فقال : يا معشر غطفان ، إنكم أصلي وعشيرتي ، وأحب الناس إلي ، ولا أراكم تتهموني ؛ قالوا : صدقت ، ما أنت عندنا بمتهم ؛ قال : فاكتموا عني ؛ قالوا : نفعل ، فما أمرك ؟ ، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم .
دبيب الفرقة بين المشركين ]
فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس ، وكان من صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل ، في نفر من قريش وغطفان ، فقالوا لهم : إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ، ونفرغ مما بيننا وبينه ، فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت ، وهو ( يوم ) لا نعمل فيه شيئا ، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا ، فأصابه ما لم يخف عليكم ، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم ، يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا ، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب ، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا ، والرجل في بلدنا ، ولا طاقة لنا بذلك منه .
[ ص: 231 ] فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة ، قالت قريش وغطفان : والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا بني قريظة : إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ؛ فقالت بنو قريظة ، حين انتهت الرسل إليهم بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا ، فإن رأوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم . وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم ، فأرسلوا إلى قريش وغطفان : إنا والله لا نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا ؛ فأبوا عليهم ، وخذل الله بينهم ، وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد ، فجعلت تكفأ قدورهم ، وتطرح أبنيتهم
حصارهم ومقالة كعب بن أسد لهم ]
( قال ) : وحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسا وعشرين ليلة ، حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب . وقد كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم ، حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه . فلما أيقنوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن أسد لهم : يا معشر يهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم ؛ قالوا : وما هي ؟ قال : نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل ، وأنه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم .
[ أمر عمرو بن سعدى ]
وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي ، فمر بحرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة ؛ فلما رآه قال : من هذا ؟ قال : أنا عمرو بن سعدى - وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : لا أغدر بمحمد أبدا - فقال محمد بن مسلمة حين عرفه : اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام ، ثم خلى سبيله .
[ نزول بني قريظة على حكم الرسول وتحكيم سعد ]
( قال ) فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتواثبت الأوس ، فقالوا : يا رسول الله ، إنهم موالينا دون الخزرج ، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت - وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع ، وكانوا حلفاء الخزرج ، فنزلوا على حكمه ، فسأله إياهم عبد الله بن أبي ابن سلول ، فوهبهم له - فلما كلمته الأوس
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا : بلى ؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فذاك إلى سعد بن معاذ وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم ، يقال لها رفيدة ، في مسجده ، كانت تداوي الجرحى ، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق : اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب
فلما حكمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني قريظة ، أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم ، وكان رجلا جسيما جميلا ، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يقولون : يا أبا عمرو ، أحسن في مواليك ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم ؛ فلما أكثروا عليه قال : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم . فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل ، فنعى لهم رجال بني قريظة ، قبل أن يصل إليهم سعد ، عن كلمته التي سمع منه . فلما انتهى سعد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 240 ] قوموا إلى سيدكم
فأما المهاجرون من قريش ، فيقولون : إنما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار ؛ وأما الأنصار ، فيقولون : قد عم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقاموا إليه ، فقالوا : يا أبا عمرو ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم ؛ فقال سعد بن معاذ : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، أن الحكم فيهم لما حكمت ؟ قالوا : نعم : وعلى من هاهنا ؟ في الناحية التي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو معرض عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجلالا له ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتسبى الذراري والنساء .
رضاء الرسول بحكم سعد ]
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة
مقتل بني قريظة ]
قال ابن إسحاق : [ ص: 241 ] ثم استنزلوا ، فحبسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة في دار بنت الحارث ، امرأة من بني النجار ، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سوق المدينة ، التي هي سوقها اليوم ، فخندق بها خنادق ، ثم بعث إليهم ، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق ، يخرج بهم إليه أرسالا ، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد ، رأس القوم ، وهم ست مئة أو سبع مئة ، والمكثر لهم يقول : كانوا بين الثمان مئة والتسع مئة .
وقد قالوا لكعب بن أسد ، وهم يذهب بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسالا : يا كعب ، ما تراه يصنع بنا ؟ قال : أفي كل موطن لا تعقلون ؟ ألا ترون الداعي لا ينزع ، وأنه من ذهب به منكم لا يرجع ؟ هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
مقتل ابن أخطب وشعر ابن جوال فيه ]
وأتي بحيي بن أخطب عدو الله ، وعليه حلة له فقاحية - قال ابن هشام : فقاحية : ضرب من الوشى - قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة ( أنملة ) لئلا يسلبها ، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل . فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ، ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس ، فقال : أيها الناس ، إنه لا بأس بأمر الله ، كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ، ثم جلس فضربت عنقه . فقال جبل بن جوال الثعلبي :
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل الله يخذل لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها
وقلقل يبغي العز كل مقلقل
قتل من نسائهم امرأة واحدة ]
[ ص: 242 ] قال ابن إسحاق : وقد حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة . قالت : والله إنها لعندي تحدت معي ، وتضحك ظهرا وبطنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق ، إذ هتف هاتف باسمها : أين فلانة ؟ قالت : أنا والله قالت : قلت لها : ويلك ؛ ما لك ؟ قالت : أقتل ؛ قلت : ولم ؟ قالت : لحدث أحدثته ؛ قالت : فانطلق بها ، فضربت عنقها ؛ فكانت عائشة تقول : فوالله ما أنسى عجبا منها ، طيب نفسها ، وكثرة ضحكها ، وقد عرفت أنها تقتل قال ابن هشام : وهي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد ، فقتلته .
[ شأن الزبير بن باطا ]
قال ابن إسحاق : وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس ، كما ذكر لي ابن شهاب الزهري ، أتى الزبير بن باطا القرظي ، وكان يكنى أبا عبد الرحمن - وكان الزبير قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية . ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان من عليه يوم بعاث ، أخذه فجز ناصيته ، ثم خلى سبيله - فجاءه ثابت وهو شيخ كبير ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، هل تعرفني ؟ قال : وهل يجهل مثلي مثلك ؛ قال : إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي ؛ قال : إن الكريم يجزي الكريم .
ثم أتى ثابت بن قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إنه قد كانت للزبير علي منة ، وقد أحببت أن أجزيه بها ، فهب لي دمه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو لك ؛ فأتاه فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك ، فهو لك ، قال : شيخ كبير لا أهل له ولا ولد ، فما يصنع بالحياة ؟ قال : فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، هب لي امرأته وولده ، قال : هم لك . قال : فأتاه فقال : قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك ، فهم لك ؛ قال : أهل بيت بالحجاز لا مال لهم ، فما بقاؤهم على ذلك ؟ فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ماله ، قال : هو لك . فأتاه ثابت فقال : قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ، فهو لك [ ص: 243 ] قال : أي ثابت ، ما فعل الذي كأن وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارى الحي ، كعب بن أسد ؟ قال : قتل ؛ قال : فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب ؟ قال : قتل ؛ قال : فما فعل مقدمتنا إذا شددنا ، وحاميتنا إذا فررنا ، عزال بن سموأل ؟ قال : قتل ؛ قال : فما فعل المجلسان ؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة ؛ قال : ذهبوا قتلوا ؟ قال : فأني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم ، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير ، فما أنا بصابر لله فتلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة . فقدمه ثابت ، فضرب عنقه . فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله ألقى الأحبة . قال : يلقاهم والله في نار جهنم خالدا فيها مخلدا . قال ابن هشام : قبلة دلو ناضح .
قسم فيء بني قريظة ]
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين ، وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال ، وأخرج منها الخمس ، فكان للفارس ثلاثة أسهم ، للفرس سهمان ولفارسه سهم ، وللراجل ، من ليس له فرس ، سهم . وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسا ، وكان أول فيء وقعت فيه السهمان ، وأخرج منها الخمس ، فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ، ومضت السنة في المغازي . [ ص: 245 ] ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا .
[ شأن ريحانة ]
( قال ) : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة ، إحدى نساء بني عمرو بن قريظة ، فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها وهي في ملكه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليها أن يتزوجها ، ويضرب عليها الحجاب ؛ فقالت : يا رسول الله ، بل تتركني في ملكك ، فهو أخف علي وعليك ، فتركها . وقد كانت حين سباها قد تعصت بالإسلام ، وأبت إلا اليهودية ، فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجد في نفسه لذلك من أمرها . فبينا هو مع أصحابه ، إذ سمع وقع نعلين خلفه ؛ فقال : إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة ؛ فجاءه فقال يا رسول الله ، قد أسلمت ريحانة ، فسره ذلك من أمرها
التالي السابق
ما نزل في الخندق وبني قريظة ]
قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى في أمر الخندق ، وأمر بني قريظة من القرآن ، القصة في سورة الأحزاب ، يذكر فيها ما نزل من البلاء ، ونعمته عليهم ، وكفايته إياهم حين فرج ذلك عنهم ، بعد مقالة من قال من أهل النفاق : يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة ، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح الملائكة . يقول الله تعالى : إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون
[ ص: 246 ] فالذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة ، والذين جاءوهم من أسفل منهم قريش وغطفان
وفي فتح الباري
التالي السابق
الشرح
قوله : ( باب غزوة الخندق وهي الأحزاب ) يعني أن لها اسمين ، وهو كما قال ، والأحزاب جمع حزب أي طائفة ، فأما تسميتها الخندق فلأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان الذي أشار بذلك سلمان فيما ذكر أصحاب المغازي منهم أو معشر قال : " قال سلمان للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق حول المدينة ، وعمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين ، فسارعوا إلى عمله حتى فرغوا منه ، وجاء المشركون فحاصروهم " وأما تسميتها الأحزاب فلاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين ، وهم قريش وغطفان واليهود ومن تبعهم ، وقد أنزل الله تعالى [ ص: 454 ] في هذه القصة صدر سورة الأحزاب ، وذكر موسى بن عقبة في المغازي قال : " خرج حيي بن أخطب بعد قتل بني النضير إلى مكة يحرض قريشا على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في بني غطفان ويحضهم على قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لهم نصف ثمر خيبر ، فأجابه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري إلى ذلك ، وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه ، وخرج أبو سفيان بن حرب بقريش فنزلوا بمر الظهران ، فجاءهم من أجابهم من بني سليم مددا لهم فصاروا في جمع عظيم ، فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب " .
وذكر ابن إسحاق بأسانيده أن عدتهم عشرة آلاف ، قال : وكان المسلمون ثلاثة آلاف ، وقيل : كان المشركون أربعة آلاف والمسلمون نحو الألف ، وذكر موسى بن عقبة أن مدة الحصار كانت عشرين يوما ، ولم يكن بينهم قتال إلا مراماة بالنبل والحجارة ، وأصيب منها سعد بن معاذ بسهم فكان سبب موته كما سيأتي . وذكر أهل المغازي سبب رحيلهم ، وأن نعيم بن مسعود الأشجعي ألقى بينهم الفتنة فاختلفوا ، وذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - له بذلك . ثم أرسل الله عليهم الريح فتفرقوا ، وكفى الله المؤمنين القتال .
وفي البداية والنهاية
قال ابن إسحاق: ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس، فحدثني يزيد بن رومان، عن عروة ومن لا أتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، ومحمد بن كعب القرظي، والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، وغيرهم من علمائنا، وبعضهم يحدث ما لا يحدث بعض قالوا:
إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم: سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله ﷺ خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله ﷺ وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله.
فقالت لهم قريش: يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه.
قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله فيهم: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرا } [النساء: 51 -52]
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم، ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ﷺ، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له، ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاؤوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب النبي ﷺ، وأخبروهم أنهم يكونون معهم عليه، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك واجتمعوا معهم فيه.
فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه من قومه من أشجع.
فلما سمع بهم رسول الله ﷺ وما أجمعوا له من الأمر، ضرب الخندق على المدينة.
قال ابن إسحاق: ولما فرغ رسول الله ﷺ من الخندق، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجرف وزغابة، في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نقمى، إلى جانب أحد.
وخرج رسول الله ﷺ والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع، في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء، فجعلوا فوق الأطام.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم.
قلت: وهذا معنى قوله تعالى: { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } [الأحزاب: 10] .
قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قوله تعالى: { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار } قالت: ذلك يوم الخندق.
قال موسى بن عقبة: ولما نزل الأحزاب حول المدينة أغلق بنو قريظة حصنهم دونهم.
قال ابن إسحاق: وخرج حيي بن أخطب النضري، حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقدهم وعهدهم، فلما سمع به كعب أغلق باب حصنه دون حيي، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له، فناداه: ويحك يا كعب افتح لي.
قال: ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم، وإني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا.
قال: ويحك افتح لي أكلمك.
قال: ما أنا بفاعل، قال: والله إن أغلقت دوني إلا خوفا على جشيشتك أن آكل معك منها، فاحفظ الرجل، ففتح له فقال: ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام.
قال: وما ذاك؟
قال: جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة وبغطفان، على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى، إلى جانب أحد، وقد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه.
فقال كعب: جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماؤه، يرعد ويبرق وليس فيه شيء، ويحك يا حيي! فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا وفاءً وصدقا.
وقد تكلم عمر بن سعد القرظي فأحسن فيما ذكره موسى بن عقبة: ذكرهم ميثاق رسول الله ﷺ وعهده ومعاقدتهم إياه على نصره وقال: إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوه.
قال ابن إسحاق: فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب، حتى سمع له - يعني في نقض عهد رسول الله ﷺ وفي محاربته مع الأحزاب - على أن أعطاه حيي عهد الله وميثاقه لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد العهد، وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله ﷺ.
قال موسى بن عقبة: وأمر كعب بن أسد بنو قريظة حيي بن أخطب أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن، تكون عندهم لئلا ينالهم ضيم إن هم رجعوا ولم يناجزوا محمدا، قالوا: وتكون الرهائن تسعين رجلا من أشرافهم، فنازلهم حيي على ذلك، فعند ذلك نقضوا العهد ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد إلا بني سعنة أسد وأسيد وثعلبة، فإنهم خرجوا إلى رسول الله ﷺ.
قال ابن إسحاق: فلما انتهى الخبر إلى رسول الله ﷺ وإلى المسلمين، بعث سعد بن معاذ وهو يومئذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة وهو يومئذ سيد الخزرج، ومعهما عبد الله بن رواحة، وخوات بن جبير.
قال: «انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحقٌ ما بلغنا عنهم، فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد المسلمين، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس».
قال: فخرجوا حتى أتوهم.
قال موسى بن عقبة: فدخلوا معهم حصنهم، فدعوهم إلى الموادعة وتجديد الحلف، فقالوا: الآن وقد كسر جناحنا وأخرجهم يريدون بني النضير، ونالوا من رسول الله ﷺ، فجعل سعد بن عبادة يشاتمهم، فأغضبوه فقال له سعد بن معاذ: إنا والله ما جئنا لهذا، ولما بيننا أكبر من المشاتمة.
ثم ناداهم سعد بن معاذ فقال: إنكم قد علمتم الذي بيننا وبينكم يا بني قريظة، وأنا خائف عليكم مثل يوم بني النضير، أو أمر منه.
فقالوا: أكلت أير أبيك.
فقال: غير هذا من القول كان أجمل بكم وأحسن.
وقال ابن إسحاق: نالوا من رسول الله ﷺ وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد.
فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه، وكان رجلا فيه حدة فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم لما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، ثم أقبل السعدان ومن معهما إلى رسول الله ﷺ فسلموا عليه، ثم قالوا: عضل والقارة أي: كغدرهم بأصحاب الرجيع: خبيب وأصحابه.
فقال رسول الله ﷺ: «الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين».
قال موسى بن عقبة: ثم تقنع رسول الله ﷺ بثوبه حين جاءه الخبر عن بني قريظة، فاضطجع ومكث طويلا، فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه اضطجع، وعرفوا أنه لم يأته عن بني قريظة خير، ثم إنه رفع رأسه وقال: «أبشروا بفتح الله ونصره».
فلما أن أصبحوا، دنا القوم بعضهم من بعض، وكان بينهم رمي بالنبل والحجارة.
قال سعيد بن المسيب: قال رسول الله ﷺ: «اللهم إني أسألك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد».
قال ابن إسحاق: وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق حتى قال معتب بن قشير - أخو بني عمرو بن عوف -: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط.
وحتى قال أوس بن قيظي: يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو، وذلك عن ملأ من رجال قومه، فأذن لنا أن نرجع إلى دارنا فإنها خارج من المدينة.
قلت: هؤلاء وأمثالهم المرادون بقوله تعالى: { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارا } [الأحزاب: 12-13] .
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله ﷺ مرابطا، وأقام المشركون يحاصرونه بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بينهم حرب إلا الرميا بالنبل، فلما اشتد على الناس البلاء، بعث رسول الله ﷺ كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، ومن لا أتهم عن الزهري إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه.
فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة، فلما أراد رسول الله ﷺ أن يفعل ذلك، بعث إلى السعدين فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه، فقالا: يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به ولا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟
فقال: «بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما»
فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
فقال النبي ﷺ: «أنت وذاك» فتناول سعد بن معاذ الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا عليها.
قال: فأقام النبي ﷺ وأصحابه محاصرين، ولم يكن بينهم وبين عدوهم قتال، إلا أن فوارس من قريش - منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس أحد بني عامر بن لؤي، وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهر المخزوميان، وضرار بن الخطاب بن مرداس، أحد بني محارب بن فهر - تلبسوا للقتال.
ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا: تهيئوا يا بني كنانة للحرب، فستعلمون من الفرسان اليوم، ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم، فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع.
وخرج علي بن أبي طالب في نفر معه من المسلمين، حتى أخذوا عليه الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، فلم يشهد يوم أحد، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه، فلما خرج هو وخيله قال: من يبارز؟
فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له: يا عمرو إنك كنت هاعدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه.
قال: أجل.
قال له علي: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام.
قال: لا حاجة لي بذلك.
قال: فإني أدعوك إلى النزال.
قال له: لمَ يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك.
قال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك، فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه، فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا، فقتله علي رضي الله عنه وخرجت خيلهم منهزمة، حتى اقتحمت من الخندق هاربة.
...........................
وفي سيرة اعلام
صفحة: 13
مقتل أبي رافع
وهو سلام بن أبي الحقيق ; وقيل : عبد الله بن أبي الحقيق اليهودي ، لعنه الله .
قال البكائي ، عن ابن إسحاق : ولما انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة ، وكان سلام بن أبي الحقيق أبو رافع فيمن حزب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف . فاستأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل ابن أبي الحقيق وهو بخيبر ، فأذن لهم .