435 ، 425 436 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَبْنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَا: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ - وَهُوَ كَذَلِكَ -: " لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ; اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " - يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
وفي فتح الباري 623/1
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ : لَمَّا كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَسْجُدُونَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِمْ وَيَجْعَلُونَهَا قِبْلَةً يَتَوَجَّهُونَ فِي الصَّلَاةِ نَحْوَهَا وَاتَّخَذُوهَا أَوْثَانًا لَعَنَهُمْ وَمَنَعَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ ، فَأَمَّا مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي جِوَارٍ صَالِحٍ وَقَصَدَ التَّبَرُّكَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ لَا التَّعْظِيمَ لَهُ وَلَا التَّوَجُّهَ نَحْوَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْوَعِيدِ [1
فتح الباري
وفي المرقاة الحديث712
وَقَوْلُهُ : ( اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) : سَبَبُ لَعْنِهِمْ إِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ لِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ تَعْظِيمًا لَهُمْ ، وَذَلِكَ هُوَ الشِّرْكُ الْجَلِيُّ ، وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي [ ص: 601 ] مَدَافِنِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالسُّجُودَ عَلَى مَقَابِرِهِمْ ، وَالتَّوَجُّهَ إِلَى قُبُورِهِمْ حَالَةَ الصَّلَاةِ ; نَظَرًا مِنْهُمْ بِذَلِكَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَذَلِكَ هُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ لِتَضَمُّنِهِ مَا يَرْجِعُ إِلَى تَعْظِيمِ مَخْلُوقٍ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّتَهُ عَنْ ذَلِكَ لِمُشَابَهَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ سُنَّةَ الْيَهُودِ ، أَوْ لِتَضَّمُنِهِ الشِّرْكَ الْخَفِيَّ ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَئِمَّتِنَا ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ : ( يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا )
وَقَالَ الْقَاضِي : كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَسْجُدُونَ لِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ وَيَجْعَلُونَهَا قِبْلَةً ، وَيَتَوَجَّهُونَ فِي الصَّلَاةِ نَحْوَهَا ، فَقَدِ اتَّخَذُوهَا أَوْثَانًا ، فَلِذَلِكَ لَعَنَهُمْ ، وَمَنَعَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مِثلِ ذَلِكَ ، أَمَّا مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي جِوَارِ صَالِحٍ ، أَوْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ وَقَصَدَ الِاسْتِظْهَارَ بِرُوحِهِ ، أَوْ وَصُولَ أَثَرٍ مَا مِنْ أَثَرِ عِبَادَتِهِ إِلَيْهِ ، لَا لِلتَّعْظِيمِ لَهُ وَالتَّوَجُّهِ نَحْوَهُ ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَرْقَدَ إِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْحَطِيمِ ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ أَفْضَلُ مَكَانٍ يَتَحَرَّى الْمُصَلِّي لِصَلَاتِهِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ مُخْتَصُّ بِالْقُبُورِ الْمَنْبُوشَةِ ، لِمَا فِيهَا مِنَ النَّجَاسَةِ ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَذِكْرَ غَيْرُهُ أَنَّ صُورَةَ قَبْرِ إِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ ، وَأَنَّ فِي الْحَطِيمِ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَزَمْزَمَ قَبْرُ سَبْعِينَ نَبِيًّا ، وَفِيهِ أَنَّ صُورَةَ قَبْرِ إِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَغَيْرِهِ مُنْدَرَسَةٌ فَلَا يَصْلُحُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ .
وَقَالَ ابْنِ حَجَرٍ : أَشَارَ الشَّارِحُ إِلَى اسْتِشْكَالِ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَبْرِ إِسْمَاعِيلَ ، بِأَنَّهَا تُكْرَهُ فِي الْمَقْبَرَةِ ، وَأَجَابَ : بِأَنَّ مَحِلَّهَا فِي مَقْبَرَةٍ مَنْبُوشَةٍ لِنَجَاسَتِهَا ، وَكُلُّهِ غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِهِمْ : يُسْتَثْنَى مَقَابِرُ الْأَنْبِيَاءِ ، فَلَا يُكَرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا مُطْلَقًا ;
لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ
، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَجَوَابُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِهِمْ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي مَقْبَرَةِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَإِنْ لَمْ تُنْبَشْ لِأَنَّهُ مُحَاذٍ لِلنَّجَاسَةِ ، وَمُحَاذَاتُهَا فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهَةٌ ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ فَوْقَهُ أَوْ خَلْفَهُ أَوْ تَحْتَ مَا هُوَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ .
.......
وفي فتح الباري لابن رجب الحنبلي440/2
وَرَوَى مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ " عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى [ ص: 441 ] قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ".
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : الْوَثَنُ الصَّنَمُ. يَقُولُ: لَا تَجْعَلْ قَبْرِي صَنَمًا يُصَلَّى إِلَيْهِ، وَيُسْجَدُ نَحْوَهُ، وَيُعْبَدُ، فَقَدِ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ أَصْحَابَهُ وَسَائِرَ أُمَّتِهِ مِنْ سُوءِ صَنِيعِ الْأُمَمِ قَبْلَهُمُ الَّذِينَ صَلَّوْا فِي قُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَاتَّخَذُوهَا قِبْلَةً وَمَسْجِدًا، كَمَا صَنَعَتِ الْوَثَنِيَّةُ بِالْأَوْثَانِ الَّتِي كَانُوا يَسْجُدُونَ إِلَيْهَا وَيُعَظِّمُونَهَا، وَذَلِكَ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُمْ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَرْضَاهُ ; خَشْيَةً عَلَيْهِمْ مِنِ امْتِثَالِ طُرُقِهِمْ،
وفي التمهيد لابن عبد البر " (5/45)
الْوَثَنُ الصَّنَمُ. يَقُولُ: لَا تَجْعَلْ قَبْرِي صَنَمًا يُصَلَّى إِلَيْهِ، وَيُسْجَدُ نَحْوَهُ، وَيُعْبَدُ، فَقَدِ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ أَصْحَابَهُ وَسَائِرَ أُمَّتِهِ مِنْ سُوءِ صَنِيعِ الْأُمَمِ قَبْلَهُمُ الَّذِينَ صَلَّوْا فِي قُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَاتَّخَذُوهَا قِبْلَةً وَمَسْجِدًا، كَمَا صَنَعَتِ الْوَثَنِيَّةُ بِالْأَوْثَانِ الَّتِي كَانُوا يَسْجُدُونَ إِلَيْهَا وَيُعَظِّمُونَهَا، وَذَلِكَ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُمْ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَرْضَاهُ ; خَشْيَةً عَلَيْهِمْ مِنِ امْتِثَالِ طُرُقِهِمْ،
.........
كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي
ج: ص: 256
كتاب الصلاة باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم
(من الحسان)
[631] حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تجعلوا قبري عيدا ... الحديث)
إذا فسرنا العيد في هذا الحديث على معنى واحد الأعياد؛ ففي الكلام حذف أي لا تجعلوا زيارة قبري عيدا
أو لا تجعلوا قبري مظهر عيد، ومعناه النهي عن الاجتماع لزيارته - صلى الله عليه وسلم - اجتماعهم للعيد إذ هو يوم رخص لهم في اللهو واللعب واتخاذ الزينة، ثم إنهم يتبرزون فيه للنزهة وإظهار السرور، وقد كانت اليهود والنصارى يسلكون هذا المسلك في زيارة قبور أنبيائهم، ولم يزل بهم صنيعهم ذلك حتى ضرب الله على قلوبهم
حجاب الغفلة ورماها بسهم القسوة
فاتبعوا سنن أهل الأوثان في زيارة طواغيتهم فاتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - (اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)
وفي المرقات 744
، ( " وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا " ) : هُوَ وَاحِدُ الْأَعْيَادِ ، أَيْ : لَا تَجْعَلُوا زِيَارَةَ قَبْرِي عِيدًا ، أَوْ لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي مَظْهَرَ عِيدٍ ، فَإِنَّهُ يَوْمُ لَهْوٍ وَسُرُورٍ ، وَحَالُ الزِّيَارَةِ خِلَافُ ذَلِكَ ، وَقِيلَ : مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْحَثَّ عَلَى كَثْرَةِ زِيَارَتِهِ ، وَلَا يُجْعَلُ كَالْعِيدِ الَّذِي لَا يَأْتِي فِي الْعَامِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ .
قَالَ الطِّيبِيُّ : نَهَاهُمْ عَنِ الِاجْتِمَاعِ لَهَا اجْتِمَاعَهُمْ لِلْعِيدِ نُزْهَةً وَزِينَةً ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ ، فَأَوْرَثَهُمُ الْغَفْلَةَ وَالْقَسْوَةَ ، وَمِنْ عَادَةِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يُعَظِّمُونَ أَمْوَاتَهُمْ حَتَّى اتَّخَذُوهَا أَصْنَامًا ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ لِقَوْلِهِ : " اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ " فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنَ النَّهْيِ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا فِي قَبْرِهِ غَايَةَ التَّجَاوُزِ ، وَلِهَذَا وَرَدَ : " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " ، وَقِيلَ : الْعِيدُ اسْمٌ مِنَ الِاعْتِيَادِ يُقَالُ : عَادَهُ وَاعْتَادَهُ وَتَعَوَّدَهُ ، أَيْ : صَارَ عَادَةً لَهُ ، وَالْعِيدُ مَا اعْتَادَكَ مِنْ هَمٍّ أَوْ غَيْرِهِ ، أَيْ : لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي مَحَلَّ اعْتِيَادٍ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى سُوءِ الْأَدَبِ وَارْتِفَاعِ الْحِشْمَةِ