الالهام
قال ابن الأثير رحمه الله: (أن يلقي الله في النفس أمراً يبعث العبد على الفعل أو الترك) انتهى من "جامع الأصول" (4/213).
وقال زكريا الأنصاري رحمه الله: (الإلهام إلقاء معنى في القلب يطمئن له الصدر يخص الله به بعض أصفيائه، وليس بحجة من غير معصوم) انتهى من "الحدود الأنيقة" ص(68)
3486 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ زَادَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ
والإلهام نوع من الكرامة.
قال الخطابي رحمه الله: (فإن كان في أُمتي منهم فإنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ,المُحدَّث الملهم يُلقى الشيءُ في روعه , فكأنه قد حُدِّث به , يظن فيصيب، ويخطر الشيء بباله فيكون كذلك. وهو منزلة جليلة من منازل الأولياء، ومرتبة عظيمة من مراتب الأصفياء) انتهى من "أعلام الحديث" (3/1571).
وقال المناوي رحمه الله: ((أناس محدَّثون) قال القرطبي : الرواية بفتح الدال اسم مفعول ، جمع محدث بالفتح ، أي ملهم ، أو صادق الظن ، وهو من أُلقي في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى ، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد ، أو تكلمه الملائكة بلا نبوة ، أو من إذا رأى رأيا ، أو ظن ظنا : أصاب ؛ كأنه حُدِّث به ، وألقى في روعه من عالم الملكوت ، فيظهر على نحو ما وقع له .
وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده ، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء) انتهى من "فيض القدير" (4/664)
وفي فتح الباري٧/٦١
قَوْلُهُ : ( مُحَدَّثُونَ ) بِفَتْحِ الدَّالِ جَمْعُ مُحَدَّثٍ ، وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَقِيلَ : مُلْهَمٌ . قَالَهُ الْأَكْثَرُ ، قَالُوا : الْمُحَدَّثُ بِالْفَتْحِ هُوَ الرَّجُلُ الصَّادِقُ الظَّنِّ ، وَهُوَ مَنْ أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَيَكُونُ كَالَّذِي حَدَّثَهُ غَيْرُهُ بِهِ ، وَبِهَذَا جَزَمَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ . وَقِيلَ : مَنْ يَجْرِي الصَّوَابُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، وَقِيلَ : مُكَلَّمٌ أَيْ تُكَلِّمُهُ الْمَلَائِكَةُ بِغَيْرِ نُبُوَّةٍ ، وَهَذَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يُحَدَّثُ ؟ قَالَ : تَتَكَلَّمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى لِسَانِهِ رُوِّينَاهُ فِي " فَوَائِدِ الْجَوْهَرِيِّ " وَحَكَاهُ الْقَابِسِيُّ وَآخَرُونَ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ . وَيَحْتَمِلُ رَدُّهُ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْ تُكَلِّمُهُ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَ مُكَلِّمًا فِي الْحَقِيقَةِ فَيَرْجِعُ إِلَى الْإِلْهَامِ ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ التِّينِ بِالتَّفَرُّسِ ، وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ " الْحُمَيْدِيِّ " عَقِبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ " الْمُحَدَّثُ : الْمُلْهَمُ بِالصَّوَابِ الَّذِي يُلْقَى عَلَى فِيهِ " وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ " مُلْهَمُونَ ، وَهِيَ الْإِصَابَةُ بِغَيْرِ نُبُوَّةٍ " وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ " مُحَدَّثُونَ يَعْنِي مُفَهَّمُونَ " وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ " قَالَ إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ رَاوِيهِ - قَوْلُهُ : مُحَدَّثٌ أَيْ يُلْقَى فِي رُوعِهِ " انْتَهَى ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ ، وَأَخْرَجَهُ فِي " الْأَوْسَطِ " مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ " يَقُولُ بِهِ " بَدَلَ قَوْلِهِ " وَقَلْبِهِ " وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَطِ " مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَفْسِهِ .
قَوْلُهُ : ( زَادَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدٍ ) هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ ، وَفِي رِوَايَتِهِ زِيَادَتَانِ : إِحْدَاهُمَا بَيَانُ كَوْنِهِمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَالثَّانِيَةُ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِالْمُحَدَّثِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَدَلَهَا " يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ " .
قَوْلُهُ : ( مِنْهُمْ أَحَدٌ ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ " مِنْ أَحَدٍ " وَرِوَايَةُ زَكَرِيَّا وَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا ، وَقَوْلُهُ : " وَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي " قِيلَ : لَمْ يُورِدْ هَذَا الْقَوْلَ مَوْرِدَ التَّرْدِيدِ فَإِنَّ أُمَّتَهُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي غَيْرِهِمْ فَإِمْكَانُ وُجُودِهِ فِيهِمْ أَوْلَى ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ مَوْرِدَ التَّأْكِيدِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ : إِنْ يَكُنْ لِي صَدِيقٌ فَإِنَّهُ فُلَانٌ ، يُرِيدُ اخْتِصَاصَهُ بِكَمَالِ الصَّدَاقَةِ لَا نَفْيَ الْأَصْدِقَاءِ ، وَنَحْوَهُ قَوْلُ الْأَجِيرِ : إِنْ كُنْتُ عَمِلْتُ لَكَ فَوَفِّنِي حَقِّي ، وَكِلَاهُمَا عَالِمٌ بِالْعَمَلِ لَكِنْ مُرَادُ الْقَائِلِ أَنَّ تَأْخِيرَكَ حَقِّي عَمَلُ مَنْ عِنْدَهُ شَكٌّ فِي كَوْنِي عَمِلْتُ . وَقِيلَ : الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ وُجُودَهُمْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ قَدْ تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ احْتِيَاجُهُمْ حَيْثُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فِيهِمْ نَبِيٌّ ، وَاحْتَمَلَ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تَحْتَاجَ هَذِهِ الْأُمَّةُ إِلَى ذَلِكَ لِاسْتِغْنَائِهَا بِالْقُرْآنِ عَنْ حُدُوثِ نَبِيٍّ ، وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
.....
حَتَّى إِنَّ الْمُحَدَّثَ مِنْهُمْ إِذَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ لَا يَحْكُمُ بِمَا وَقَعَ لَهُ بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَرْضِهِ عَلَى الْقُرْآنِ ، [ ص: 63 ] فَإِنْ وَافَقَهُ أَوْ وَافَقَ السُّنَّةَ عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا تَرَكَهُ
.....
، وَهَذَا وَإِنْ جَازَ أَنْ يَقَعَ لَكِنَّهُ نَادِرٌ مِمَّنْ يَكُونُ أَمْرُهُ مِنْهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَتَمَحَّضَتِ الْحِكْمَةُ فِي وُجُودِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ بَعْدَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فِي زِيَادَةِ شَرَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِوُجُودِ أَمْثَالِهِمْ فِيهِ ، وَقَدْ تَكُونُ الْحِكْمَةُ فِي تَكْثِيرِهِمْ مُضَاهَاةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي كَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ ، فَلَمَّا فَاتَ هَذِهِ الْأُمَّةَ كَثْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ فِيهَا لِكَوْنِ نَبِيِّهَا خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ عُوِّضُوا بِكَثْرَةِ الْمُلْهَمِينَ . وَقَالَ الطِّيبِيُّ : الْمُرَادُ بِالْمُحَدَّثِ الْمُلْهَمِ الْبَالِغُ فِي ذَلِكَ مَبْلَغَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصِّدْقِ ، وَالْمَعْنَى لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ أَنْبِيَاءٌ مُلْهَمُونَ ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ عُمَرُ ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي انْقِطَاعِ قَرِينِهِ فِي ذَلِكَ هَلْ نَبِيٍّ أَمْ لَا [1] فَلِذَلِكَ أَتَى بِلَفْظِ " إِنْ " وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ فَـ " لَوْ " فِيهِ بِمَنْزِلَةِ إِنْ فِي الْآخَرِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ ، انْتَهَى . وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَطِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ، وَلَكِنْ فِي تَقْرِيرِ الطِّيبِيِّ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ " مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ " وَلَا يَتِمُّ مُرَادُهُ إِلَّا بِفَرْضِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ .
قَوْلُهُ : ( قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مِنْ نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ ) أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى الْآيَةَ ، كَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ زَادَ فِيهَا وَلَا مُحَدَّثٍ أَخْرَجَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي أَوَاخِرِ جَامِعِهِ ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِهِ وَإِسْنَادُهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ ، وَلَفْظُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ " كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ ) . وَالسَّبَبُ فِي تَخْصِيصِ عُمَرَ بِالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ مَا وَقَعَ لَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمُوَافَقَاتِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ مُطَابِقًا لَهَا ، وَوَقَعَ لَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِدَّةُ إِصَابَاتٍ . فتح الباري
وفي تحفة المحتاج
قَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ مَعَ اللَّهِ حَالًا أَسْقَطَ عَنْهُ نَحْوَ الصَّلَاةِ أَوْ تَحْرِيمَ شُرْبِ الْخَمْرِ وَجَبَ قَتْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْحُكْمِ بِخُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ وَقَتْلُ مِثْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ انْتَهَى وَلَا نَظَرَ فِي خُلُودِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ لِاسْتِحْلَالِهِ مَا عُلِمَتْ حُرْمَتُهُ أَوْ نَفْيِهِ وُجُوبَ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ ضَرُورَةً فِيهِمَا وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِخُلُودِهِ وَوَقَعَ لِلْيَافِعِيِّ مَعَ جَلَالَتِهِ فِي رَوْضِهِ لَوْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِبَعْضِ عِبَادِهِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ مَثَلًا وَعَلِمَ الْإِذْنَ يَقِينًا فَلَبِسَهُ لَمْ يَكُنْ مُنْتَهِكًا لِلشَّرْعِ وَحُصُولُ الْيَقِينِ لَهُ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهُ لِلْخَضِرِ بِقَتْلِهِ لِلْغُلَامِ إذْ هُوَ وَلِيٌّ لَا نَبِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ انْتَهَى وَقَوْلُهُ مَثَلًا رُبَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ [ ص: 89 ] وَبِفَرْضِ أَنَّ الْيَافِعِيَّ لَمْ يُرِدْ بِمَثَلًا إلَّا مَا هُوَ مِثْلُ الْحَرِيرِ فِي أَنَّ اسْتِحْلَالَهُ غَيْرُ مُكَفِّرٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِ ضَرُورَةً
فَإِنْ أَرَادَ بِعَدَمِ انْتِهَاكِهِ لِلشَّرْعِ أَنَّ لَهُ نَوْعَ عُذْرٍ ، وَإِنْ كُنَّا نَقْضِي عَلَيْهِ بِالْإِثْمِ بَلْ وَالْفِسْقِ إنْ أَدَامَ ذَلِكَ فَلَهُ نَوْعُ اتِّجَاهٍ أَوْ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ فِي لُبْسِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ فَهُوَ زَلَّةٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَقِينَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِلْهَامِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ ؛ إذْ لَا ثِقَةَ بِخَوَاطِرِ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَشَرْطُهُ عِنْدَ مَنْ شَذَّ بِالْقَوْلِ بِهِ أَنْ لَا يُعَارِضَهُ نَصٌّ شَرْعِيٌّ كَالنَّصِّ بِمَنْعِ لُبْسِ الْحَرِيرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ إلَّا مَنْ شَذَّ مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ فِيهِ وَبِتَسْلِيمِ أَنَّ الْخَضِرَ وَلِيٌّ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ الْإِلْهَامَ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ غَيْرُ حُجَّةٍ فَالْأَنْبِيَاءُ فِي زَمَنِهِ مَوْجُودُونَ فَلَعَلَّ الْإِذْنَ فِي قَتْلِ الْغُلَامِ جَاءَ إلَيْهِ عَلَى يَدِ أَحَدِهِمْ
فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَخْبَرَ بَعْدَ نُزُولِهِ أَحَدًا بِأَنَّ لَهُ اسْتِعْمَالَ الْحَرِيرِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ قُلْتُ هَذَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ اسْتَقَرَّ فِيهَا تَحْرِيمُ الْحَرِيرِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَلَا يُغَيِّرُهُ أَبَدًا لَا يُقَالُ يُتَأَوَّلُ لِلْيَافِعِيِّ بِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْحَرِيرِ وَقَعَ تَدَاوِيًا مِنْ عِلَّةٍ عَلِمَهَا الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ كَمَا تَأَوَّلَ هُوَ وَغَيْرُهُ مَا وَقَعَ لِوَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَهَرَتْ وِلَايَتُهُ بِبَلَدٍ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ فَدَخَلَ الْحَمَّامَ وَلَبِسَ ثِيَابَ الْغَيْرِ وَخَرَجَ مُتَرَفِّقًا فِي مَشْيِهِ لِيُدْرِكُوهُ فَأَدْرَكُوهُ وَأَوْجَعُوهُ ضَرْبًا وَسَمَّوْهُ لِصَّ الْحَمَّامِ فَقَالَ الْآنَ طَابَ الْمُقَامُ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ فِعْلَهُ لِذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ تَدَاوِيًا كَمَا يُتَدَاوَى بِالْخَمْرِ عِنْدَ الْغَصِّ وَمَفْسَدَةُ لُبْسِ ثِيَابِ الْغَيْرِ سَاعَةً أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الْعُجْبِ وَنَحْوِهِ مِنْ قَبَائِحِ النَّفْسِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ الْإِذْنُ الَّذِي لِلتَّدَاوِي لَيْسَ إلَّا بِإِلْهَامٍ وَقَدْ اتَّضَحَ بُطْلَانُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ
وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَسْأَلَةِ ذَلِكَ الْوَلِيِّ فَإِنَّ الْحَرِيرَ لَا يُتَصَوَّرُ حِلُّهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَاسْتِعْمَالُ مَالِ الْغَيْرِ يَجُوزُ مَعَ ظَنِّ رِضَاهُ وَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ ذَلِكَ الْوَلِيَّ مَا عَرَفَ مَالِكَ الثِّيَابِ وَلَا ظَنَّ رِضَاهُ وَبِفَرْضِ جَهْلِهِ بِهِ هُوَ يَظُنُّ رِضَاهُ بِفَرْضِ اطِّلَاعِهِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ لِذَلِكَ الْقَصْدِ إذْ كُلُّ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى بَاطِنِ فَاعِلِ ذَلِكَ يَرْضَى بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَنْ كَانَ وَمَرَّ فِي الْوَلِيمَةِ أَنَّ ظَنَّ الْغَيْرِ يُبِيحُ مَالَهُ فَهِيَ وَاقِعَةٌ مُحْتَمِلَةٌ لِلْحِلِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْإِلْهَامِ كَوَاقِعَةِ الْخَضِرِ وَمَسْأَلَةُ الْحَرِيرِ لَا تَحْتَمِلُهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْإِلْهَامِ بِوَجْهٍ فَتَأَمَّلْهُ
وفي فتح الباري
وقال ابن السمعاني وإنكار الالهام مردود ويجوز أن يفعل الله بعبده ما يكرمه به ولكن التمييز بين الحق والباطل في ذلك أن كل ما استقام على الشريعة المحمدية ولم يكن في الكتاب والسنة ما يرده فهو مقبول وإلا فمردود يقع من حديث النفس ووسوسة الشيطان ثم قال ونحن لا ننكر أن الله يكرم عبده بزيادة نور منه يزداد به نظره ويقوي به رأيه وانما ننكر ان يرجع إلى قلبه بقول لا يعرف أصله ولا نزعم أنه حجة شرعية وانما هو نور يختص الله به من يشاء من عباده فان وافق الشرع كان الشرع هو الحجة انتهى ويؤخذ من هذا ما تقدم التنبيه عليه أن النائم لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بشئ هل يجب عليه امتثاله ولا بد أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر فالثاني هو المعتمد
وفي شرح الموطا للزركاني. ص: 150
لطيفة : وقع أن رجلا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقال له : اذهب إلى موضع كذا فاحفره فإن فيه ركازا فخذه لك ولا خمس عليك فيه ، فلما أصبح ذهب إلى ذلك الموضع فحفره فوجد الركاز فيه فاستفتى علماء عصره فأفتوه بأنه لا خمس عليه لصحة الرؤيا ، وأفتى العز بن عبد السلام بأن عليه الخمس وقال : أكثر ما ينزل منامه منزلة حديث روي بإسناد [ ص: 150 ] صحيح وقد عارضه ما هو أصح منه وهو حديث : " في الركاز الخمس
وفي شرح المهذب ص: 292 ]
( فرع ) لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان ، ولم ير الناس الهلال ، فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له : الليلة أول رمضان لم يصح الصوم بهذا المنام لا لصاحب المنام ولا لغيره ، ذكره القاضي الحسين في الفتاوى وآخرون من أصحابنا ونقل القاضي عياض الإجماع ، عليه وقد قررته بدلائله في أول شرح صحيح مسلم ، ومختصره أن شرط الراوي والمخبر والشاهد أن يكون متيقظا في حال التحمل ، وهذا مجمع عليه ، ومعلوم أن النوم لا تيقظ فيه ، ولا ضبط ، فترك العمل بهذا المنام لاختلال ضبط الراوي لا للشك في الرؤية فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي } والله تعالى أعلم .
وفي فتح الباري
وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة ما ملخصه أنه يؤخذ من قوله فان الشيطان لا يتمثل بي أن من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصورت له في عالم سره أنه يكلمه أن ذلك يكون حقا بل ذلك أصدق من مراي غيرهم لما من الله به عليهم من تنوير قلوبهم انتهى وهذا المقام الذي أشار إليه هو الالهام وهو من جملة أصناف الوحي إلى الأنبياء ولكن لم أر في شئ من الأحاديث وصفه بما وصفت به الرؤيا أنه جزء من النبوة وقد قيل في الفرق بينهما إن المنام يرجع إلى قواعد مقررة وله تأويلات مختلفة ويقع لكل أحد بخلاف الالهام فإنه لا يقع إلا للخواص ولا يرجع إلى قاعدة يميز بها بينه وبين لمة الشيطان وتعقب بأن أهل المعرفة بذلك ذكروا أن الخاطر الذي يكون من الحق يستقر ولا يضطرب والذي يكون من الشيطان يضطرب ولا يستقر فهذا إن ثبت كان فارقا واضحا ومع ذلك فقد صرح الأئمة بأن الأحكام الشرعية لا تثبت بذلك قال أبو المظفر بن السمعاني في القواطع بعد أن حكى عن أبي زيد الدبوسي من أئمة الحنفية أن الالهام ما حرك القلب لعلم يدعو إلى العمل به من غير استدلال والذي عليه الجمهور أنه لا يجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها في باب المباح وعن بعض المبتدعة أنه حجة واحتج بقوله نعالى فألهمها فجورها وتقواها وبقوله وأوحى ربك إلى النحل أي ألهمها حتى عرفت مصالحها فيؤخذ منه مثل ذلك للآدمي بطريق الأولى وذكر فيه ظواهر أخرى ومنه الحديث قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن وقوله لوابصة ما حاك في صدرك فدعه وإن أفتوك فجعل شهادة قلبه حجة مقدمة على الفتوى وقوله قد كان في الأمم محدثون فثبت بهذا أن الالهام حق وأنه وحي باطل وانما حرمه العاصي لاستيلاء وحي الشيطان عليه قال وحجة أهل السنة الآيات الدالة على اعتبار الحجة والحث على التفكير في الآيات والاعتبار والنظر في الأدلة وذم الأماني والهواجس والظنون وهي كثيرة مشهورة وبأن الخاطر قد يكون من الله وقد يكون من الشيطان وقد يكون من النفس وكل شئ أحتمل أن يكون حقا لما يوصف بأنه حق قال والجواب عن قوله فألهمها فجورها وتقواها أن معناه عرفها طريق العلم وهو الحجج وأما الوحي إلى النحل فنظيره في الآدمي فيما يتعلق بالصنائع وما فيه صلاح المعاش وأما الفراسة فنسلمها لكن لا تجعل شهادة القلب حجة لأنا لا نتحقق كونها من الله أو من غيره انتهى ملخصا وقال ابن السمعاني وإنكار الالهام مردود ويجوز أن يفعل الله بعبده ما يكرمه به ولكن التمييز بين الحق والباطل في ذلك أن كل ما استقام على الشريعة المحمدية ولم يكن في الكتاب والسنة ما يرده فهو مقبول وإلا فمردود يقع من حديث النفس ووسوسة الشيطان ثم قال ونحن لا ننكر أن الله يكرم عبده بزيادة نور منه يزداد به نظره ويقوي به رأيه وانما ننكر ان يرجع إلى قلبه بقول لا يعرف أصله ولا نزعم أنه حجة شرعية وانما هو نور يختص الله به من يشاء من عباده فان وافق الشرع كان الشرع هو الحجة انتهى ويؤخذ من هذا ما تقدم التنبيه عليه أن النائم لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بشئ هل يجب عليه امتثاله ولا بد أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر فالثاني هو المعتمد
فتح الباري 387/١٢
جمعه محمد اسلم الثقافي الكاملي المليباري البربننغادي
Muhammed Aslam Kamil Saquafi parappanangadi
No comments:
Post a Comment