وفي تفسير أبن كثير اسجدوا الدم البقرة
وقال بعض الناس : كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام ، كما قال تعالى : ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) [ يوسف : 100 ] وقد كان هذا مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا ، قال معاذ : قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم ، فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك ، فقال : لا ، لو كنت آمرا بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ورجحه الرازي ، وقال بعضهم : بل كانت السجدة لله وآدم قبلة فيها كما قال : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) [ الإسراء : 78 ] وفي هذا التنظير نظر ، والأظهر أن القول الأول أولى ، والسجدة لآدم إكراما وإعظاما واحتراما وسلاما ، وهي طاعة لله عز وجل ؛ لأنها امتثال لأمره تعالى ، وقد قواه الرازي في تفسيره وضعف ما عداه من القولين الآخرين وهما كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف ، والآخر : أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض وهو ضعيف كما قال .
وفي تفسير الرازي
المسألة الثانية: أجمع المسلمون على أن ذلك السجود ليس سجود عبادة لأن سجود العبادة لغير الله كفر والأمر لا يرد بالكفر ثم اختلفوا بعد ذلك على ثلاثة أقوال: الأول: أن ذلك السجود كان لله تعالى وآدم عليه السلام كان كالقبلة ومن الناس من طعن في هذا القول من وجهين: الأول: أنه لا يقال صليت للقبلة بل يقال صليت إلى القبلة فلو كان آدم عليه السلام قبلة لذلك السجود لوجب أن يقال اسجدوا إلى آدم فلما لم يرد الأمر هكذا بل قيل اسجدوا لآدم علمنا أن آدم عليه السلام لم يكن قبلة. الثاني: أن إبليس قال أرأيتك هذا الذي كرمت على أي أن كونه مسجودا يدل على أنه أعظم حالا من الساجد ولو كان قبلة لما حصلت هذه الدرجة بدليل أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان يصلي إلى الكعبة ولم يلزم أن تكون الكعبة أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم. والجواب عن الأول أنه كما لا يجوز أن يقال صليت إلى القبلة جاز أن يقال صليت للقبلة والدليل عليه القرآن والشعر، أما القرآن فقوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * (الإسراء: 78) والصلاة لله لا للدلوك. فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يقال صليت للقبلة مع أن الصلاة تكون لله تعالى لا للقبلة، وأما الشعر فقول حسان:
ما كنت أعرف أن الأمر منصرف * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعرف الناس بالقرآن والسنن فقوله صلى لقبلتكم نص على المقصود. والجواب عن الثاني أن إبليس شكا تكريمه وذلك التكريم لا نسلم أنه حصل بمجرد تلك المسجودية بل لعله حصل بذلك مع أمور أخر فهذا ما في القول الأول أما القول الثاني فهو أن السجدة كانت لآدم عليه السلام تعظيما له وتحية له كالسلام منهم عليه، وقد كانت الأمم السالفة تفعل ذلك كما يحيي المسلمون بعضهم بعضا بالسلام وقال قتادة في قوله: * (وخروا له سجدا) * (يوسف: 100) كانت تحية الناس يومئذ سجود بعضهم لبعض. وعن صهيب أن معاذا لما قدم من اليمن سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا معاذ ما هذا قال: إن اليهود تسجد لعظمائها
وعلمائها ورأيت النصارى تسجد لقسسها وبطارقتها قلت: ما هذا قالوا: تحية الأنبياء فقال عليه السلام كذبوا على أنبيائهم وعن الثوري عن سماك بن هاني قال: دخل الجاثليق على علي بن أبي طالب فأراد أن يسجد له فقال له علي اسجد لله ولا تسجد لي. وقال عليه الصلاة والسلام لو أمرت أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها. القول الثالث: أن السجود في أصل اللغة هو الانقياد والخضوع قال الشاعر: (ترى الأكم فيها سجدا للحوافر) أي تلك الجبال الصغار كانت مذللة لحوافر الخيل ومنه قوله تعالى: * (والنجم والشجر يسجدان) * (الرحمن: 6) واعلم أن القول الأول ضعيف لأن المقصود من هذه القصة شرح تعظيم آدم عليه السلام، وجعله مجرد القبلة لا يفيد تعظيم حاله وأما القول الثالث فضعيف أيضا لأن السجود لا شك أنه في عرف الشرع عبارة عن وضع الجبهة على الأرض فوجب أن يكون في أصل اللغة كذلك لأن الأصل عدم التغيير فإن قيل السجود عبادة والعبادة لغير الله لا تجوز قلنا لا نسلم أنه عبادة، بيانه أن الفعل قد يصير بالمواضعة مفيدا كالقول يبين ذلك أن قيام أحدنا للغير يفيد من الإعظام ما يفيده القول وما ذاك إلا للعبادة وإذا ثبت ذلك لم يمتنع أن يكون في بعض الأوقات سقوط الإنسان على الأرض وإلصاقه الجبين بها مفيدا ضربا من التعظيم وإن لم يكن ذلك عبادة وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يتعبد الله الملائكة بذلك إظهارا لرفعته وكرامته. تفسير الرازي
وفي تفسير القرطبي البقرة
الرابعة : واختلف الناس في كيفية سجود الملائكة لآدم بعد اتفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة ، فقال الجمهور : كان هذا أمرا للملائكة بوضع الجباه على الأرض ، كالسجود المعتاد في الصلاة ; لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع ، وعلى هذا قيل : كان ذلك السجود تكريما لآدم وإظهارا لفضله ، وطاعة لله تعالى ، وكان آدم كالقبلة لنا . ومعنى لآدم : إلى آدم ، كما يقال صلى للقبلة ، أي إلى القبلة . وقال قوم : لم يكن هذا السجود المعتاد اليوم الذي هو وضع الجبهة على الأرض ولكنه مبقى على أصل اللغة ، فهو من التذلل والانقياد ، أي اخضعوا لآدم وأقروا له بالفضل .
فسجدوا أي امتثلوا ما أمروا به .
واختلف أيضا هل كان ذلك السجود خاصا بآدم عليه السلام ؟ فلا يجوز السجود لغيره من جميع العالم إلا لله تعالى ، أم كان جائزا بعده إلى زمان يعقوب عليه السلام ، لقوله تعالى : ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين ؟ والذي عليه الأكثر أنه كان مباحا إلى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن أصحابه قالوا له حين سجدت له الشجرة والجمل : نحن أولى بالسجود لك من الشجرة والجمل الشارد ، فقال لهم : لا ينبغي أن يسجد لأحد إلا لله رب العالمين . روى ابن ماجه في سننه والبستي في صحيحه عن أبي واقد قال : لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما هذا ؟ ) فقال : يا رسول الله ، قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم ، فأردت أن أفعل ذلك بك ، قال : فلا تفعل فإني لو أمرت شيئا أن يسجد لشيء لأمرت المرأة أن
تسجد لزوجها لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه
وفي تفسير البيضاوي
والسجود في الأصل تذلل مع تطامن قال الشاعر: [ ص: 71 ]
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
وقال آخر:
وقلن له اسجد لليلى فاسجدا
يعني البعير إذا طأطأ رأسه. وفي الشرع: وضع الجبهة على قصد العبادة، والمأمور به إما المعنى الشرعي فالمسجود له بالحقيقة هو الله تعالى، وجعل آدم قبلة لسجودهم تفخيما لشأنه، أو سببا لوجوبه فكأنه تعالى لما خلقه بحيث يكون نموذجا للمبدعات كلها بل الموجودات بأسرها، ونسخة لما في العالم الروحاني والجسماني وذريعة للملائكة إلى استيفاء ما قدر لهم من الكمالات، ووصلة إلى ظهور ما تباينوا فيه من المراتب والدرجات، أمرهم بالسجود تذللا لما رأوا فيه من عظيم قدرته وباهر آياته، وشكرا لما أنعم عليهم بواسطته، فاللام فيه كاللام في قول حسان رضي الله تعالى عنه:
أليس أول من صلى لقبلتكم... وأعرف الناس بالقرآن والسنن
أو في قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس .
وأما المعنى اللغوي وهو التواضع لآدم تحية وتعظيما له، كسجود إخوة يوسف له، أو التذلل والانقياد بالسعي في تحصيل ما ينوط به معاشهم ويتم به كمالهم
No comments:
Post a Comment